تعود أصول نسبة كبيرة من سكان الأردن إلى عشائر من البدو، حيث تمثل هذه العشائر دعامة أساسية في المملكة بسبب تمسكها بالثقافة والتراث والبنية المجتمعية العشائرية التي تلعب دوراً جوهرياً في علاقات الأفراد الاجتماعية. وقد عُرف البدو عبر التاريخ بقدرتهم على تحمل قسوة الصحراء وظروفها الجوية، إلا أن العادات البدوية قد تغيرت بسبب هجر العديد أسلوب الحياة القاسي للاستقرار في القرى والمدن. وتقيم في منطقة فينان أربع عشائر بدوية رئيسية؛ الرشايده، والعمارين، والسعيديين والعزازمه.
ستلتقي خلال زيارتك لوادي فينان بإحدى المجتمعات البدوية القليلة المستمرة في أسلوب حياتها التقليدي في الأردن. إن مجرد وجودك في المنطقة هو فرصة مميزة تراقب فيها عملية التقدم الحضري منذ بداياتها، وتطلع على واقع تحاول فيه ثقافة تقليدية أصيلة أن تتأقلم مع العالم الجديد. وقد أثبتت السياحة في فينان نجاحها في المحافظة على هذه الثقافة، رغم عدم وقوفنا في وجه تطور المنطقة، فزيارتك لفينان ستساهم في إحياء الهوية الثقافية لدى سكانه القلائل الذين يفتخرون بتراثهم وعاداتهم ويشعرون بالسعادة لاستقبالهم ضيوفاً قدموا من جميع أنحاء العالم متشوقين إلى أن يتعرفوا على أسلوب حياتهم.
لا تزال بعض العائلات البدوية في فينان تعيش في بيوت الشعر المصنوعة من شعر الماعز الأسود ويمارسون الرعي وتربية قطعان الماعز والأغنام والجمال، ويعتادون على نصب خيامهم في الوادي خلال فصل الشتاء والانتقال إلى المرتفعات عند حلول الصيف. ولعل أكثر ما يربطهم بالعالم الحديث هو امتلاكهم لسيارات وهواتف نقالة ومواقد كيروسين للطبخ.
الحياة في فينان دائمة التغير بسبب انتقال مجتمعات كثيرة إلى المناطق الحضرية في القرى المحيطة مثل القريقرة والرشايدة (فينان الجديدة) الواقعة على الطريق المودية إلى النزل، فهناك حاجة إلى الاستقرار للوصول إلى المدارس والمرافق الطبية والمياه والكهرباء. كما تستمر المجتمعات التي تعيش بالقرب من النزل بالانتقال إلى مسافات قصيرة اعتماداً على فصول السنة، ليكونوا على مسافة أقرب إلى المدارس وأيضاً إلى النزل الذي يعمل فيه عدد منهم أو يقدم خدمات النقل، وفي وقتنا الحاضر أصبح سكان المنطقة يعتمدون في اختيار موقع إقامتهم في مكان يتوفر فيه الإرسال لهواتفهم النقالة تماماً كما كان أجدادهم قديماً يبحثون عن موقع تتوفر فيه المياه.
وبناءً على ما سبق، فإنه من المنطقي أن نقول أن الكثير من مميزات المجتمع الأردني والعربي مستمدة من الثقافة البدوية، فمعظم من يزورون الأردن يغادرونه محملين بذكريات جميلة عن كرم ضيافة أهله، وهي عادة متأصلة في الثقافة البدوية ومتجذرة في حياة الصحراء القاسية تُرحب بالضيف ولا تخذله أبداً.
تساهم زيارتك لفينان في توفير فرص العمل والدخل الضروري للسكان وتلعب دوراً كبيراً في المحافظة على الثقافة وتجديد الفخر في أسلوب الحياة الذي يعيشه السكان المحليون. أثناء وجودك هناك، نشجعك على أن تتعرف على الموظفين خلال فترة إقامتك وأن تحترم أسلوب حياتهم مقدراً البساطة التي يستمتعون بها. فمن الحياة البدوية ستتعلم دروساً كثيرة أهمها أن الإنسان قادر على أن يحيا بسعادة مكتفياً بالتواصل مع الطبيعة والقليل من الأشياء، على عكس ما يفرضه العصر الحديث من متطلبات تُعمّق الرغبة الشديدة بالاستهلاك والتملك.